عميد الصحفيين محجوب محمد صالح يكتب عن الوضع الراهن المتردى
صفحة 1 من اصل 1
عميد الصحفيين محجوب محمد صالح يكتب عن الوضع الراهن المتردى
محجوب محمد صالح
المشهد السياسي في السودان مرتبك ومربك في آن واحد وليس ذلك مستغربا في بلد تحاصره مشاكل سياسية وآمنية وإقتصادية بالغة التعقيد وقد انفرد بإرادته فصيل واحد من فصائل العمل السياسي على مدى ربع قرن من الزمان دون مشاركة حقيقية في السلطة والثروة ودون إسهام من أي طرف آخر في صناعة القرار وظل التعامل مع الأزمات الموروثة والمستجدة بيد مجموعة قليلة من المسيطرين على أزمة الأمور دون توسيع دائرة المشاركة حتى داخل المجموعة الحاكمة نفسها.
لقد ظل كثير من المعلقين والمحللين يراهنون على قدرة السودان في إحداث مفاجاءات اللحظة الأخيرة والخروج من الأزمات بأقل الخسائر عندما تضيق حلقات الأزمة ولكن يبدو أن هذه القدرة قد تآكلت وانتهى عمرها الإفتراضي خاصة في مواجهة أزمة شاملة وعلى كافة المستويات ولن يعالجها إلا تغيير شامل يخاطب جذور المشاكل لا التصدى لمجرد اعراضها او مظاهرها السطحية وهذه تحتاج الى نشاط جماعى وإلى رؤية مشتركة والى تنظيم محكم وإلا فإن عقد الوطن سينفرط ولا تستطيع أي دولة أن تحتمل تبعات حروب داخلية محتدمة على مدى سنوات على أرضها وتهديدات بحروب خارجية مع دول الجوار وفقر تتسع رقعته وهوة تفصل بين عامة الشعب والقلة المتنفذة التى احتكرت الثروة والسلطة وأزمة اقتصادية تحاصر المواطن فتزيده فقرا وتضعف قدرته فى الحصول على أبسط مقومات الحياة.
لقد استحكمت الأزمة وضاقت حلقاتها إذ يواجه النظام الحاكم الآن:
أولاً: يواجه حروباً ساخنة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تستنزف موارد بلد يعاني من أزمة إقتصادية خانقة والقليل الذي يتيسر له يذهب للصرف على هذه الحروب العبثية التي تنخر في جسد الوحدة الوطنية ولن تحل مشكلة بل تزيد الصراع الداخلي وتخلق من المرارات مايسمم مستقبل الوحدة الوطنية.
ثانياً: أفتقد السودان جزءاً عزيزاً من الوطن بإنفصال الجنوب وكان المبرر أن إنفصالاً يحقق سلاماً أفضل من وحدة تورث حرباً أهلية – لكن الأمر إنتهى إلى الإنفصال والحرب معاً ومازالت نذر الحرب بين الدولتين تلوح في الأفق نتيجة سياسات ورؤى قاصرة لن يعود إستمرارها إلا إلى المزيد من الأزمات.
ثالثاً: الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد هبطت بقيمة العملة السودانية إلى أكثر من النصف وزادت من معدلات التضخم بنسبة كبيرة والقت على كاهل المواطن أعباء لاطاقة له بها وفي نفس الوقت فأن الأموال القليلة المتاحة للدولة صار أكثرها يذهب للأمن ولتمويل هذه الحرب العبثية على حساب الخدمات الضرورية وبهذا تكون الحكومة قد ألقت بكل تبعات سياساتها القاصرة على كاهل موطن لاحول له ولا قوة.
رابعاً: النظام نفسه بات محاصراً من داخل صفوفه ومن خارجها فهو خارجيا يواجه خلافات مستعرة مع الجنوب رغم توقيع اتفاقات عديدة كان من شأنها أن تخلق واقعاً جديداً وعلاقات أكثر إستقرار مع دولة تربطنا بها أطول حدودنا الخارجية لكن المناورات قصيرة الآجل مازالت حتى الآن تجهض مشروع التعايش السلمي وتجعل التهديد بالعودة لمربع الحرب قائما – وثمة بؤر صراع معقدة مثل أبيي مازالت تستعصي على الحل وتلوح في أفقها بوادر الحرب – وهذه القضايا أدت إلي زيادة حدة المواجهة للحكومة مع المجتمع الدولي وقرارات صادرة من مجلس الأمن أخرها القرار 2046 الذي (دوّل) القضية باكملها وفق مقترح أفريقي يحظي بتأييد دول المنطقة. وكأنما المهددات الخارجية وحدها لاتكفي فإن الصراع الداخلي قد بلغ ذروته – وقد ظل هذا النظام منذ نشأته يواجه صراعاً سياسياً مع القوى السياسية الداخلية ظل تعالجه المناورات قصيرة المدى كما يواجه حركات مسلحة توسعت الآن بدخول ولايتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان –حلبة الصراع المسلح رغم أن حل أزمتها سلمياً كان متاحاً عبر إتفاقية توصل إليها النظام نفسه ثم تنكر لها ورفضها مفضلاً عليها المغامرة العسكرية التي دفعنا ومازلنا ندفع ثمنها الغالي والأسوأ من هذا أنها ستخلف مرارات تسمم أجواء المستقبل.
خامساً: وتكتمل حلقة الأزمات بهذا الصراع المحتدم داخل صفوف النظام نفسه وهو صراع يواجه النظام بأكبر وأخطر تحدياته الداخلية – وقد عبر هذا الصراع عن نفسه سياسياً في مؤتمر الحركة الإسلامية رغم الحصار الذي تعرض له مؤتمر الحركة – لكنه عاد وعبر عن نفسه عسكرياً عبر محاولتين إنقلابيتين خلال الشهور القليلة الفائتة- الأولى تم معالجتها والتكتم عليها بحسب رواية دكتور نافع والثانية انفجرت جهراً بإعلان رسمي من الحكومة ومازال التحقيق حولها دائراً ومازالت التسريبات تشير إلى تعاطف جهات عسكرية أخرى مع معتقلي تلك المحاولة.
هذا الوضع وبهذه الدرجة من الاحتقان لايمكن أن يستمر ولابد من حدوث تغيير ولا يستطيع أحد أن يتكهن بالشكل الذي سيتخذه ذلك التغيير لأن المشهد مفتوح على كافة الاحتمالات بما في ذلك أن تاخذ الجماعة الحاكمة نفسها زمام المبادرة بإحداث تغيير (محسوب ومبرمج) إذا ما اقتنعت بأن الحصار قد بلغ مداه لكن الشئ المؤكد هو أن عناصر هذه المعادلة باتت كثيرة ومتشعبة والاحتمالات مفتوحة وأن الاحتقان الداخلي قد بلغ مداه ولايمكن أن يستمر لأكثر مما استمر.
mahgoubsalih@maktoob.com
المشهد السياسي في السودان مرتبك ومربك في آن واحد وليس ذلك مستغربا في بلد تحاصره مشاكل سياسية وآمنية وإقتصادية بالغة التعقيد وقد انفرد بإرادته فصيل واحد من فصائل العمل السياسي على مدى ربع قرن من الزمان دون مشاركة حقيقية في السلطة والثروة ودون إسهام من أي طرف آخر في صناعة القرار وظل التعامل مع الأزمات الموروثة والمستجدة بيد مجموعة قليلة من المسيطرين على أزمة الأمور دون توسيع دائرة المشاركة حتى داخل المجموعة الحاكمة نفسها.
لقد ظل كثير من المعلقين والمحللين يراهنون على قدرة السودان في إحداث مفاجاءات اللحظة الأخيرة والخروج من الأزمات بأقل الخسائر عندما تضيق حلقات الأزمة ولكن يبدو أن هذه القدرة قد تآكلت وانتهى عمرها الإفتراضي خاصة في مواجهة أزمة شاملة وعلى كافة المستويات ولن يعالجها إلا تغيير شامل يخاطب جذور المشاكل لا التصدى لمجرد اعراضها او مظاهرها السطحية وهذه تحتاج الى نشاط جماعى وإلى رؤية مشتركة والى تنظيم محكم وإلا فإن عقد الوطن سينفرط ولا تستطيع أي دولة أن تحتمل تبعات حروب داخلية محتدمة على مدى سنوات على أرضها وتهديدات بحروب خارجية مع دول الجوار وفقر تتسع رقعته وهوة تفصل بين عامة الشعب والقلة المتنفذة التى احتكرت الثروة والسلطة وأزمة اقتصادية تحاصر المواطن فتزيده فقرا وتضعف قدرته فى الحصول على أبسط مقومات الحياة.
لقد استحكمت الأزمة وضاقت حلقاتها إذ يواجه النظام الحاكم الآن:
أولاً: يواجه حروباً ساخنة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تستنزف موارد بلد يعاني من أزمة إقتصادية خانقة والقليل الذي يتيسر له يذهب للصرف على هذه الحروب العبثية التي تنخر في جسد الوحدة الوطنية ولن تحل مشكلة بل تزيد الصراع الداخلي وتخلق من المرارات مايسمم مستقبل الوحدة الوطنية.
ثانياً: أفتقد السودان جزءاً عزيزاً من الوطن بإنفصال الجنوب وكان المبرر أن إنفصالاً يحقق سلاماً أفضل من وحدة تورث حرباً أهلية – لكن الأمر إنتهى إلى الإنفصال والحرب معاً ومازالت نذر الحرب بين الدولتين تلوح في الأفق نتيجة سياسات ورؤى قاصرة لن يعود إستمرارها إلا إلى المزيد من الأزمات.
ثالثاً: الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد هبطت بقيمة العملة السودانية إلى أكثر من النصف وزادت من معدلات التضخم بنسبة كبيرة والقت على كاهل المواطن أعباء لاطاقة له بها وفي نفس الوقت فأن الأموال القليلة المتاحة للدولة صار أكثرها يذهب للأمن ولتمويل هذه الحرب العبثية على حساب الخدمات الضرورية وبهذا تكون الحكومة قد ألقت بكل تبعات سياساتها القاصرة على كاهل موطن لاحول له ولا قوة.
رابعاً: النظام نفسه بات محاصراً من داخل صفوفه ومن خارجها فهو خارجيا يواجه خلافات مستعرة مع الجنوب رغم توقيع اتفاقات عديدة كان من شأنها أن تخلق واقعاً جديداً وعلاقات أكثر إستقرار مع دولة تربطنا بها أطول حدودنا الخارجية لكن المناورات قصيرة الآجل مازالت حتى الآن تجهض مشروع التعايش السلمي وتجعل التهديد بالعودة لمربع الحرب قائما – وثمة بؤر صراع معقدة مثل أبيي مازالت تستعصي على الحل وتلوح في أفقها بوادر الحرب – وهذه القضايا أدت إلي زيادة حدة المواجهة للحكومة مع المجتمع الدولي وقرارات صادرة من مجلس الأمن أخرها القرار 2046 الذي (دوّل) القضية باكملها وفق مقترح أفريقي يحظي بتأييد دول المنطقة. وكأنما المهددات الخارجية وحدها لاتكفي فإن الصراع الداخلي قد بلغ ذروته – وقد ظل هذا النظام منذ نشأته يواجه صراعاً سياسياً مع القوى السياسية الداخلية ظل تعالجه المناورات قصيرة المدى كما يواجه حركات مسلحة توسعت الآن بدخول ولايتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان –حلبة الصراع المسلح رغم أن حل أزمتها سلمياً كان متاحاً عبر إتفاقية توصل إليها النظام نفسه ثم تنكر لها ورفضها مفضلاً عليها المغامرة العسكرية التي دفعنا ومازلنا ندفع ثمنها الغالي والأسوأ من هذا أنها ستخلف مرارات تسمم أجواء المستقبل.
خامساً: وتكتمل حلقة الأزمات بهذا الصراع المحتدم داخل صفوف النظام نفسه وهو صراع يواجه النظام بأكبر وأخطر تحدياته الداخلية – وقد عبر هذا الصراع عن نفسه سياسياً في مؤتمر الحركة الإسلامية رغم الحصار الذي تعرض له مؤتمر الحركة – لكنه عاد وعبر عن نفسه عسكرياً عبر محاولتين إنقلابيتين خلال الشهور القليلة الفائتة- الأولى تم معالجتها والتكتم عليها بحسب رواية دكتور نافع والثانية انفجرت جهراً بإعلان رسمي من الحكومة ومازال التحقيق حولها دائراً ومازالت التسريبات تشير إلى تعاطف جهات عسكرية أخرى مع معتقلي تلك المحاولة.
هذا الوضع وبهذه الدرجة من الاحتقان لايمكن أن يستمر ولابد من حدوث تغيير ولا يستطيع أحد أن يتكهن بالشكل الذي سيتخذه ذلك التغيير لأن المشهد مفتوح على كافة الاحتمالات بما في ذلك أن تاخذ الجماعة الحاكمة نفسها زمام المبادرة بإحداث تغيير (محسوب ومبرمج) إذا ما اقتنعت بأن الحصار قد بلغ مداه لكن الشئ المؤكد هو أن عناصر هذه المعادلة باتت كثيرة ومتشعبة والاحتمالات مفتوحة وأن الاحتقان الداخلي قد بلغ مداه ولايمكن أن يستمر لأكثر مما استمر.
mahgoubsalih@maktoob.com
الرشيد نمر- عدد المساهمات : 201
تاريخ التسجيل : 22/05/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى